يذكرني الاتحاد السوفيتي ووريثته روسيا بالغراب الأسود الذي ينعق فيجلب الخراب والدمار.. التاريخ الروسي فاقع السواد والديكتاتورية والفساد, ودائما تكون الهزيمة والانكسار لمن يتحالف معه.. هكذا كان حال مصر وسوريا في الستينيات حينما كانتا تتحالفان مع الاتحاد السوفيتي,
فكانت هزيمة1967 التي أضاعت سيناء والجولان والضفة وغزة والقدس والمسجد الأقصي, وامتد الأمر إلي العراق حينما اكتفت روسيا بالإدانة والشجب, وتركته عاريا في مواجهة ضربات الناتو, وكذا الحال في ليبيا الذي وقع تحت القصف الأمريكي والغربي دون أن يجد من يدافع عنه, وللأمانة لم يخذل الغراب الروسي العرب فقط, لكنه امتد أيضا إلي الصرب التي اعتمدت علي مساندته فكان تدميرها وتقسيمها.
التاريخ يكاد يكرر نفسه في سوريا الآن بعد أن ترددت أنباء عن قرب بيع روسيا لها مقابل صفقات تحت الترابيزة مع أمريكا والغرب ودول عربية, ومن الواضح أن الغراب الروسي ينعق فقط حتي تتحقق مصالحه ثم يطير ليهبط علي دولة أخري في انتظار خرابها وتدميرها.
المشكلة أن هناك من القادة من يفقد بصره وبصيرته, ويتملكه جنون العظمة والديكتاتورية, ويلبس قناع الدب الروسي, ونسي أن الاتحاد السوفيتي نفسه تفتت إلي دويلات عديدة بسبب الديكتاتورية والفساد, وانهار جبل الثلج الروسي ليخرج من عباءته العديد من الدول, أغلبها انضم إلي المعسكر الغربي المناهض للسياسات الروسية, والمعادي لها علي الدوام.
قلبي يعتصر علي الشعب السوري الشقيق, فهو المجني عليه في كل الأحوال, ويدفع فاتورة جنون بشار الأسد الذي يتخيل سوريا وكأنها عزبته الخاصة, لأنه ورثها عن أبيه, فهكذا أفسد حافظ الأسد سوريا والعالم العربي حينما لجأ إلي توريث حكمه لابنه, وكادت العدوي تمتد إلي مصر وليبيا واليمن لولا الثورات التي اندلعت في العالم العربي, إلا أن بشار لا يريد أن يترك الحكم, ربما لأنه يتخيل أنه يستطيع توريثه لابنه فيمتد الحكم من الجد إلي الابن إلي الحفيد بعد أن اختلطت المفاهيم لديه, وأصابه جنون العظمة والديكتاتورية, وأصبحت سوريا هي بشار, وبشار هو سوريا.
سوريا هي عمق مصر الاستراتيجي, ولابد من الحفاظـ عليها, وضربها سوف يؤدي حتما إلي تفتيتها وتقسيمها وتدميرها إلي غير رجعة كما حدث في العراق, لتخرج إلي الأبد من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي, والأمر المؤكد أن أمريكا والغرب يستهدفان ذلك في المقام الأول, وقد أعطاهما بشار الأسد الذريعة بما يصار حول استخدامه السلاح الكيماوي ضد شعبه, وأعتقد أن الضربة آتية لاريب فيها إلا إذا حدثت معجزة لتجنبها, أو علي الأقل تقليل تأثيرها, بحيث تكون ضربة محدودة لا تؤثر في خريطة القوي علي الأرض السورية, ثم تبدأ خطوات جادة لحل سياسي.
ليت الجامعة العربية تتنبه إلي ذلك, وليت أمينها العام د. نبيل العربي يبذل أقصي ما في وسعه ويقوم بمحاولة إنقاذ في اللحظات الأخيرة لعل وعسي ينجح في إيجاد حل سياسي قصير وسريع, كما حدث في اليمن, لتظل سوريا موحدة, ويكفي ما حدث للشعب السوري من معاناة طوال الفترة الماضية.
صحيح أن بشار الأسد هو من أفسد كل محاولات الحلول السياسية السابقة, وهو من كان وراء إفشال مهام مبعوثي الأمم المتحدة والجامعة العربية, لكن برغم كل ذلك يجب ألا تقف الجامعة العربية مكتوفة الأيدي, وتكتفي بالمتفرج العاجز, وبيانات الشجب والإدانة, ولا بديل عن بذل كل الجهود الممكنة وغير الممكنة لإيجاد حل سياسي بمظلة عربية علي غرار الحل اليمني, بعد أن ثبت أنه أفضل الحلول في دول ثورات الربيع العربي.
أخيرا.. أتمني أن يسمع بشار الأسد النداء الأخير ويستجيب للغة العقل, وينحاز إلي الحل السلمي السياسي, بعيدا عن لغة القتل والتدمير, فهذا هو طوق النجاة الوحيد له ولشعبه ولدولته, بغض النظر عن وقوع الضربة العسكرية من عدمه, وبغض النظر عن مدي تأثيرها, فهل يتم إنقاذ سوريا في اللحظات الأخيرة أم أنها ضاعت للأبد؟! الإجابة لا يعلمها إلا الله.