نعلم جميعا ان مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير قد اضحى بها 90 مليون محلل سياسى ومنهم بالقطع خبراء سياسيين على اعلى مستوى نفخر بكونهم من ابناء هذا الشعب..وانا شخصيا كما سبق وذكرت فى أكثر من مقال سابق .. لست من هواة السياسه ولا احب الخوض فيها لاسيما فى ظل حالة الاستقطاب الشديده التى شهدتها البلاد على مدار العام الماضى..ولكنى اردت ان اشارك الجميع فى رؤيتى للاوضاع الحاليه من منظور موضوعى دون تحيزات.. وخاصة الاسباب الاساسيه لسقوط نظام الدكتور مرسى من وجهة نظر محايدة.. فهناك اسباب يعلمها الجميع ولن اعيد واكررها او اخوض فيها سواء فيما يتعلق بالاعلان الغير دستورى الذى اهان القضاء المصرى.. والعناد الغير مبرر سواء من الرئيس وجماعته او من الموالين فى عدم تغيير او الغاء هذا الاعلان المشبوه!!..او التأييد المطلق لكافة قرارات الرئيس دون تفكير ودون منطق وكأنه الحاكم المنزه..أو حتى حكومة الدكتور هشام قنديل.. ولكن هناك اسباب اراها من وجهة نظرى هى الاهم والاساس ..والتى كان لها الاثر الاكبر فى السقوط السريع لهذا النظام بعيدا عن فكرة المؤامرات او الانقلابات حتى وان وجدت!!
فقد بدا جليا خلال الفتره الماضيه لاسيما قبل تولى الدكتور محمد مرسى للرئاسه وتحديدا منذ بداية ثورة الخامس والعشرين من يناير ان الاعلام أضحى يلعب دورا اساسيا فى المشهد السياسى فى مصر لدرجة انى قد كتبت ذات يوم فى نفس هذا المكان منذ عامين ان برامج التوك شو التى اسميتها فى حينها برامج "الافتى شو" هى من تحكم مصر نظرا لحجم تأثيرها على القرار السياسى لكافة من تولوا المسؤوليه منذ قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير..وللاسف الشديد لم يتفهم الرئيس مرسى وجماعته ومن والاه هذه الحقيقه!..وبدلا من احتضان الاعلام واعطائه اهمية قصوى عند اتخاذ اى قرار سياسى..قاموا بالهجوم عليه بشكل مبالغ فيه واتهامه بأنه السبب الرئيسى فى كل الازمات التى تعانى منها البلاد بما فيها الازمات الاقتصاديه!!..واتهامه ايضا بنشر معلومات مغلوطه لتحقيق اغراض شخصيه او اجندات خارجيه!!..بل وما زاد الطين بله!!..تقديم بلاغات من بعض الموالين ضد بعض الاعلاميين وابرزهم بطبيعة الحال باسم يوسف وهو الشخص الذى حباه الله بقبول وحب من ملايين المشاهدين..وانا شخصيا أكاد اجزم..ان عددا ليس بالقليل من الفئة الجديده للمتظاهرين الذين ملأوا الميادين على مدار الاسبوع الماضى كان بسبب ما حدث مع هذا "الظاهره" باسم يوسف!!..وللاسف ولأن المناصب فى مؤسسة الرئاسه لم تكن للمتخصصين او حتى لمن يملك قدرا من الثقافه وانما اقتصرت على ذو الثقه فقط!.. لم يجد الرئيس من يحذره من خطورة الانقلاب على ظاهرة مثل باسم يوسف..او الاعلام بشكل عام!!..واتصور ان الاعلام ساهم بدور رئيسى فى دعم حركة "تمرد" التى اتوقع ان تفوز بجائزة نوبل هذا العام وهى تستحق بالفعل..ولولا الاعلام ما كنا شاهدنا كل هذه الحشود على مدار الاسبوع الماضى بكافة ميادين مصر!
الامر الثانى والذى لا يقل خطورة عن الحرب على الاعلام هو ما حدث فى وزراة الثقافه..فما حدث من الوزير الجديد "المضطرب نفسيا" تجاه العديد من رموز الثقافه فى مصر واصراره على التشبث بمنصبه قد مثل تهديدا حقيقيا للشعب المصرى على ثقافته وتراثه الذى يعتز به لاسيما "حزب الكنبة" والذى يعد العامل الاساسى لنجاح ثورة 30 يونيو..فاصعب واخطر ما يهدد اى نظام فى العالم هو محاولة تغيير هوية شعب!!..وهذا الوزير بدأ منذ اليوم الاول اظهار نواياه فى اخونة الوزارة تحت دعوى محاربة الفساد!! ..وبالتأكيد هناك فساد بالعديد من مؤسسات الدوله..لكن محاربة الفساد يكون بالحكمه وبمنتهى الحذر وليس بشكل يبدو للجميع وكأنه انتقامى!!
اما الامر الثالث فهو ما يتعلق بالقضاء..وانا هنا لست بصدد التعليق على حصار المحكمه الدستوريه لاجبارها على عدم الانعقاد والحكم ببطلان اللجنة التأسيسيه او بطلان مجلس الشورى..وانما اتحدث عن هيبة القضاء!!..فالقضاء فى اى دوله فى العالم يعد السلطة الأقوى فى اى نظام سياسى سواء من السلطه التنفيذيه او السلطه التشريعيه بل ويعد الضمانه الوحيده للشعب وللنظام ذاته!!..وليس من المنطقى ان تقابل الاحكام بالرفض اذا ما جاءت على عكس الرغبه.. والمناداه بالشعار البغيض "الشعب يريد تطهير القضاء"..وان تقابل الاحكام "حتى وان كانت من ذات القضاه الذين ارادوا تطهير القضاء منهم" بالتحيه والتقدير اذا ما جاءت على الاهواء!!..وبالطبع هذا الامر مثل للشعب تهديدا حقيقيا فى فقدان العداله!!..وهو بطبيعة الحال ما استفذ الجميع واستوجب وقفه حقيقيه تجلت كأحد الاسباب الرئيسيه لما شاهدناه يوم 30 يونيو التاريخى..فما تعلمته على مدار عمرى وانا اشرف بكونى نجل احد شيوخ القضاه فى هذا البلد..ان احكام القضاء لا يجوز مجرد التعليق عليها!!..وليس رفضها واتهام من اصدرها بالفساد على مرأى ومسمع من الجميع عبر كافة وسائل الاعلام!!
على كل حال..فقد حدث ما حدث..وانتهى عصر هذا النظام كما انتهى عصر من سبقه..واتصور انه لزاما على الموالين ان يعوا هذه الحقيقه..وان يتفهموا ايضا ان المعارضين ليسوا اعدائهم وانما هم اخوانهم..وسواء كنت من هذا الفصيل..او ذاك..فجميعنا لا نملك من امرنا شىء!!...فخلافنا سويا ونقاشنا وجدالنا بالساعات لن يقدم ولن يؤخر وانما سيؤدى للمزيد من التناحر والانقسام وفى النهايه لن يعيد نظام مبارك او حتى نظام مرسى..ولذا اتمنى ان تنتهى سريعا فترة التخوين والانقسام التى عشناها على مدار العام الماضى والتى تعد فى نظرى الشخصى اسوأ ما تركه لنا هذا النظام الذى نحمد الله على كونه اضحى سابق..
اخيرا..اعترف انى قد اخطأت عندما تصورت ان مصر لن تتحمل فترة انتقاليه جديده فى حال سقوط نظام مرسى لاسيما فيما يتعلق بالوضع الاقتصادى المتدهور..ولكن ما رأيته وشاهدته على مدار الايام الماضيه فى تظاهرات 30 يونيو من ارادة وتصميم حقيقى على اسقاط هذا النظام يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان هذا الشعب لن يقبل بانهيار اقتصاده..ويكفى ان تتوجه الى احدى المؤسسات الحكوميه وتراها وهى تعمل بانتظام غير معهود!..بدون وزير ولا نائب ولا عشرات المستشارين!!..لتتأكد من قدرة هذا الشعب الفريد على الانجاز.. حفظ الله مصر وشعبها..
Esaied@Osoolesb.Com