الأمن الغذائي العربي
الأربعاء 12 أكتوبر 2016 -05:28
يعد الأمن الغذائي من قضايا الأمن القومي، ولذلك تعمل الدول على تحقيق أمنها الغذائي قدر المستطاع من خلال إنتاجها المحلي، نظرًا لما يعتري المصادر الخارجية من مخاطرالتقلبات الاقتصادية والسياسية.
وعادة ما توجه الدول سياساتها الزراعية والغذائية لتوفير السلع الاستراتيجية من المصادر المحلية، إلا إذا كانت الدولة مشاركة في تجمع إقليمي يسمح بتوفير احتياجاتها، من الغذاء بشكل آمن، وفي إطار المزايا النسبية التي تحكم سياسات الإنتاج بهذه التجمعات.
والأمن الغذائي بمعناه البسيط هو إتاحة الدولة الغذاء لأفرادها بالكميات المطلوبة، وبالأسعار المناسبة على مدار العام، سواء تحقق ذلك من خلال مصادر محلية أو خارجية.
يعمل بمصر نحو 6.6 ملايين فرد في القطاع الزراعي، على مساحة من الأراضي الزراعية تقدر بنحو 8.5 ملايين فدان، ويساهم قطاع الزراعة بنحو 14.8% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي.
وتعاني مصر، في تحقيق أمنها الغذائي، من مشكلات الاعتماد على الخارج لتوفير العديد من السلع الغذائية الاستراتيجية، مثل القمح والسكر والزيوت، مما يتسبب في تفاقم مشكلات دعم الغذاء، والعجز في ميزان المدفوعات، واستنزاف احتياطيات النقد الأجنبي.
وتقوم الدولة بجهود كبيرة لزيادة معدلات التنمية الزراعية, ولقد استهدفت استراتيجية التنمية الزراعية حتى عام 2017 , تحقيق معدل نمو يصل إلى 4.1% من خلال التوسع الرأسي والتوسع الأفقي.
ولا شك أن توفير الغذاء الصحي، وبشكل يستطيع تكوين البنية الأساسية الصحية للمواطن المصري، يعد إحدى قضايا الأمن القومي.
فبعد الثورة لا مجال لاستمرار سوء الإدارة للموارد المؤثرة على عملية التغذية للمواطن المصري، والتي عاني منها كل المصريين في الفترات السابقة.
فكلنا يعلم مدى التردي الذي وصلت إليه صناعة الغذاء من سوء الرقابة والفساد، ومن ثم، يجب الاهتمام بكل الصناعات الخاصة بهذا الفرع الاقتصادي، بل ودعمها خلال الفترة القادمة، إن كنا نريد أي تقدم أو رخاء.
فلا مجال لأي تنمية بدون توفير الغذاء المناسب، وبالعناصر المطلوبة لبناء الجسم السليم، ومنه بناء العقل السليم، وإن كانت مشكلة الغذاء تأتي في الأولوية، نظرا لعدم إمكانية الاستغناء عنه، كما أنه حق أساسي من حقوق الإنسان، يجب على مختلف الدول مهما كانت أنظمتها الاقتصادية وتوجهاهتا السياسية، أن تعمل على توفيره بجميع الوسائل والسبل. وفي الحقيقة فإن هناك علاقة وثيقة، لا يستطيع أحد أن ينكرها بين الأمن الغذائي والأمن القومي لأي مجتمع.
 فأي مجتمع لا يملك تأمين قوت سكانه، لن يملك حريته، ومن هنا يظهر الاهتمام بقضايا الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي للسكان في الدول والمجتمعات بصفة عامة، والدول العربية على وجه الخصوص.
أولا: الموقف الغذائي الراهن في المنطقة العربية: لعل المتتبع للموقف الحالي لإنتاج واستهلاك السلع الغذائية في المنطقة العربية لا يستطيع أن يلاحظ أنه على الرغم من أن هناك بعض السلع الغذائية يفي منها الإنتاج العربي إلى حد كبير، بمتطلبات استهلاك السكان العرب، كالخضر والفاكهة والأسماك، إلا أن هناك الكثير من السلع الغذائية، مازال الإنتاج المحلي العربي لا يستطيع الوفاء بالاحتياجات المطلوبة للسكان.
ويأتي في مقدمة هذه السلع الحبوب بصفة عامة، والقمح والذرة الشامية والشعير بصفة خاصة، وكذلك السكر والزيوت واللحوم الحمراء والداجنة. وقد أدى إلى لجوء العديد، بل كل الدول العربية، إلى استيرادها من الدول الأجنبية غير العربية، وارتفعت بالتالي فاتورة الواردات الغذائية العربية.
وفي الواقع فإن الموقف الحالي لإنتاج واستهلاك السلع الغذائية في المنطقة العربية، لا يتوقف عند عجز الإنتاج المحلي من السلع الغذائية في المنطقة العربية عن مواجهة الاستهلاك المحلي فقط، بل إن الأمر يتعدى ذلك، إلى عدم قدرة معظم الدول العربية على تمويل وارداتها من السلع الغذائية المستوردة، حيث إن نسبة الصادرات الزراعية العربية لا تعطي إلا ربع الواردات الزراعية، مما يعكس ضعف قدرة الدول العربية على التمويل.
إن تحقيق الأمن الغذائي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن المائي، ويعاني حالياً الوطن العربي من وجود عجز في الموارد المائية، ولا تكفي لتلبية الاحتياجات الاستهلاكية، وكما يعاني أيضاً من تهديدات من خارج الحدود السياسية لأقطار الوطن العربي، بسبب أن حوالي 67% من الموارد المائية العربية تتحكم في منابعها دول أجنبية غير عربية، الأمر الذي يقتضي أن تعيد الدول العربية مجتمعة ترتيب أوراقها وتنسيق جهودها، لحماية مواردها المائية وترشيد استهلاكها من ناحية أخرى، وذلك لضمان تحقيق الاكتفاء الذاتي والاقتصادي والغذائي لسكانها.
 - إن أي جهود لزيادة إنتاج الغذاء في المنطقة العربية لن تكون ذات فعالية في تحقيق الاكتفاء الذاتي العربي، ما لم تصاحبها إجراءات وسياسات لخفض معدلات النمو السكاني العربي المرتفع من خلال برامج تنظيم الأسرة، وفي الوقت نفسه، رفع مستوى الوعي الاستهلاكي العربي الحالي من الاستهلاك المتدني غير الضروري من السلع والمنتجات الغذائية بصفة أساسية.
- إن وضع تلك الأمور موضع الاعتبار عند تخطيط أي استراتيجية عربية موحدة يساعد كثيراً في تحقيق الأمن والاستقرار الغذائي العربي، ويقلل إلى حد كبير، اعتماد المنطقة العربية على الدول الأجنبية في توفير الغذاء والكساء لسكانها، وبالتالي يقلل من المخاطر الخارجية التي تهدد الأمن والاستقرار العربي وتحقيق التكامل العربي المنشود.
تطور الفجوة الغذائية ونسبة الاكتفاء الذاتي للسلع الغذائية الرئيسية، خاصة القمح، يعتبر من أهم القضايا الاستراتيجية الحيوية، لما لها من أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية، إن مشكلة الغذاء وعدم كفاية الإنتاج الزراعي للحاجات الاستهلاكية والتصنيعية، تعتبر من أهم التحديات التي تواجه الدول العربية، على مدى السنوات المقبلة، حيث إن الدول العربية في مجموعها تعاني عجزا تجاريا صافيا في معظم السلع الغذائية.
وأكدت الدراسات الاقتصادية أن الوطن العربي بمجموعه يعد من أكثر مناطق العالم عجزا، في توفير الغذاء لشعوبه، وقد أدت المشكلة الناتجة عن عجز الإنتاج الزراعي المحلي، إلى تلبية حاجات السكان المتزايدة للغذاء، والتي تزيد الاعتماد على العالم الخارجي في توفير احتياجاته من السلع الغذائية.
وقد زاد من تفاقم هذا الوضع بطء نمو الإنتاج الزراعي في العالم العربي، مقارنة بالنمو السريع في الطلب على المنتجات الغذائية، وبالتالي اتساع الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك وتزايد الاعتماد على العالم الخارجي في تحقيق الأمن الغذائي، مما ترتب عليه زيادة مستمرة في عجز موازين مدفوعات هذه الدول، ولهذا تعتبر مشكلة الأمن الغذائي العربي، من أهم المشاكل الاقتصادية المعاصرة في العالم العربي، إذ أن مدى وحجم الفجوة الغذائية العربية في معظم مجموعات الغذاء الأساسية قد جعل منها مشكلة أمن قومي، باعتبار أن الأمن الغذائي هو من بين المكونات الأساسية للأمن الاستراتيجي العربي، خاصة عندما تعلم أن الوطن العربي أصبح يعتمد، في نحو نصف غذائه الأساسي، على الواردات، وفي الوقت الراهن أصبحت جميع الدول العربية، عدا سوريا، مستوردة صافية للقمح، بعد أن كان البعض منها مكتفياً منه ذاتياً، أو كان يصدر كميات قليلة، كما أصبحت مجموعها مستوردة صافية للسلع الغذائية الأساسية، وهكذا تعتبر مشكلة الأمن الغذائي في الأهمية والخطورة بعد قضية الأمن السياسي.
وقد نال موضوع الأمن الغذائي العربي في السنوات الأخيرة حظاً وفيراً من الاهتمام في المحافل العربية والإسلامية والدولية، إلا أن الإجراءات التي اتخذت للعمل على تضييق حدة الاتساع في الفجوة الغذائية العربية، مازالت تتم من خلال التوجهات القطرية لكل دولة على حدة، في إطار سياساتها الزراعية، بالإضافة إلى بعض المشاريع التي تدار من خلال مؤسسات العمل العربي المشترك، والتي تعد محدودة الأثر بالنسبة لحجم الفجوة الغذائية العربية، وبالرغم من المحاولات المتعددة التي بذلتها أجهزة ومنظمات جامعة الدول العربية لعمل استراتيجية اقتصادية عربية تتضمن تنسيق السياسات الاقتصادية بين الدول العربية منذ سنوات طويلة.
وبالرغم من تعدد الأجهزة والمنظمات العربية، فإن النجاح كان ضئيلاً، والتاريخ البعيد والقريب للدول العربية، لا يخلو من الممارسات التي تدعو للتفاؤل، والتجارب التي تطرد اليأس.
خطورة التجربة: - تنصب مشكلة الأمن الغذائي العربي على عدم توافر السلع الغذائية واتساع الفجوة الغذائية وانخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي لمعظم السلع الغذائية، بالإضافة إلى افتقار مستوى التغذية في معظم الدول العربية إلى بعض أنواع وكميات السلع الغذائية الضرورية كالبروتينات الحيوانية وغيرها من الأغذية الواقية، وما يترتب على ذلك من سوء التغذية لبعض الفئات، وعدم اتزان عناصر الغذاء للإنسان العربي، والنقص الحاد لنصيب الفرد من البروتين.
 

تعليقات القراء

أضف تعليق
الأسم
البريد الألكنرونى
التعليق

تعليقات الفيس بوك

أحدث الاخبـــار

الأكثر قراءة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الرأى الإقتصادى 2015