إعداد وحوكمة الثروة البشرية مسئولية دولة وأسرة
الأحد 10 فبراير 2019 -08:38
في الطبيعة ثروات هائلة تتسابق الشعوب عليها لاستهداف حياة أفضل، وفي الإنسان ثروات وثروات، نبحث ونتناحر لاكتشاف إمكانات الطبيعة وتفعيلها والاستفادة منها. الطبيعة من دون الإنسان إمكانات جامدة، والإنسان من دون الطبيعة إمكانات معطلة. وعلى ذلك فإن إطلاق إمكانات الإنسان ثروة رئيسة في الحياة، تتمثل قيمتها في قدرتها على تفعيل باقي الثروات التي منحها الله لنا. 

إدارة حياة الإنسان وحوكمتها اقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا لتحقيق أعلي استفادة من الثروات الطبيعية تبدء من الأبناء ، هم زهور تتزين الأرض بألوانها، حسن رعايتهم وتربيتهم أصبحت أمن قومي للدول ، وهي الأمل الوحيد أمام الشعوب والأوطان ، فإن استقاموا الأبناء أصبحوا قرة أعين آبائهم، وفخر أمهاتهم وسندا وذخرا لأوطانهم ،بصلاح الأبناء فقط نضمن استمرار صلاح الوطن والمجتمع والأمم نحو استهداف حياة أفضل . 

ليس عيباً أبداً لاستفادة من تجارب الآخرين ، فليس للحضارة الإنسانية موقع جغرافي ثابت لكل الأزمنة، ولعل وعسي أن يكون لنا في عالم المستقبل دورا رائدا . وإذا كانت أمم الغرب هي التي تقود مشهد هذا العصر، فبصلاح الدول والأبناء نقترب رويداً رويداً منهم، بل ننافسهم على هذه القيادة. 

ففي التصنيفات الدولية الأخيرة الصادرة عام 2018، حققت سنغافورة المراكز التالية: الأولى في دليل التنافسية العالمي GCI، والخامسة في دليل الابتكار العالمي، والسابعة في دليل الحكومة الإلكترونية، والثامنة في متوسط الناتج المحلي للفرد مقدرا بالدولار. 

كيف استطاعت دولة منذ استقلالها عام 1965 ولا تزيد مساحتها على 750 كيلو مترا مربعاً ، أي ما يقارب مساحة البحرين،وأقل من 1 % من مساحة الإمارات ومن مساحة الأردن أن تصنف دولة من الدول المتقدمة. كيف لدولة يبلغ عدد سكانها 5.6 مليون نسمة ان تتفوق عل كل الدول . كيف لدولة ينتمي سكانها إلى ثلاثة أعراق و خمس ديانات أن تتوافق داخلياً لتصل بهذا المجتمع الي التفوق بدلاً من النزاع والتناحر فيما بينهم. 

السر في كل هذا هو قدرتها على إعداد الثروة البشرية ،فمثلا منذ عام 1997، تعمل سنغافورة علي تنفيذ أربع خطط تعليمية متتالية. ما إن تتحقق أهداف خطة، إلا لتبدأ خطة أخرى . 

الخطة الأولى 1997-2002 تحت عنوان بناء الأسس Building the Foundation، وقد ركزت على ثلاثة نشاطات رئيسة. تتمثل في تدريب وإعداد المعلمين وتجهيز البنية الأساسية في جميع المدارس ثم التركيز على التطبيقات والتعليم المهني . 

الخطة الثانية 2003-2008، تحت عنوان نشر بذور الابتكار Seeding Innovation ، حيث اهتمت هذه الخطة بألبحث العلمي والتطوير ووضع معايير أساسية لتقنيات المعلومات والاتصالات في المدارس وتأمين موازنة خاصة لهذه التقنيات في جميع المدارس إضافة إلى إجراء تكامل بين المناهج التعليمية في مختلف الموضوعات من جهة، وتقنيات المعلومات والاتصالات من جهة أخرى. 

أما الخطة الثالثة2009- 2014، حملت عنوانا التعزيز وتوسيع النطاق Strengthening & Scaling. وشملت هذه الخطة الاهتمام بالتعلم الذاتي والتعلم التعاوني والبحث العلمي والتطوير المهني وبناء بيئة معيارية لتقنيات المعلومات والاتصالات في جميع المدارس. 

حالياً تعيش سنغافورة تنفيذ الخطة الرابعة التي بدأت عام 2015 تحت عنوان قادرون على التعلم الرقمي ومسؤولون جاهزون للمستقبل Future-ready & Responsible Digital Learners. تضمنت هذه الخطة تعميق التكامل بين المناهج التعليمية، وتقنيات المعلومات والاتصالات  والوعي وتصميم وسائل مفيدة تتمتع بالجودة لتفعيل الاستفادة من الإنترنت وتمكين التطوير المهني وإقامة مجموعات للتعلم ، وابتكار وتطوير وتعزيز البنية الأساسية نحو تدعيم التعلم . وهكذا نجد أمامنا مسيرة قائمة تستهدف إعداد الثروة البشرية.ولا شك أن هذه المسيرة تستحق النظر، وتدعو إلى البحث في مسألة الاستفادة منها، وربما من غيرها أيضا، في تعزيز مسيرتنا نحو المستقبل، وإعداد الثروة البشرية التي تتمتع بالجاهزية اللازمة لمواجهة تحدياته. 

وعن دور الأباء ، يجب أن نعد الأجيال لمواكبة التطوير المتلاحق في القطاعات المختلفة وملاحقة دولة مثل سنغافورة، ومن هنا يجب أن يراعي الآباء عند التعامل مع أبنائهم  هذه النصائح : 

(أولا) لابد أن تعطوا الحق لآبنائكم فى إتخاذ قراراتهم منفردين فى حدود المسموح مادام ليس هناك ضرر فعلى سيقع عليهم ، لابد أن يكن لهم المساحة فيجربون ، يصيبون ويخطئون ، و يكتسبون الخبرات. 

(ثانيا ) أن تشرك الأبناء فى تحمل مسئوليات الأسرة وفى إتخاذ القرارات ، فكلما أعطيت اولادك الفرصة للمشاركة فى إتخاذ القرارات وتحمل المسئولية ، كلما أمكنهم إتخاذ قرارات حياتهم مستقبلا بحكمة و نضج. 

(ثالثا) علم أولادك مسئولياتهم الإجتماعية تجاه الآخرين ، عائلته ، أصدقائه ، فيتعلموا مشاركة الآخرين أحزانهم وأفراحهم ، وينشأ إجتماعيا ودودا ، منفتحا على الآخرين ، محترما للكبير ، رحيما بالصغير ، وهذا كفيل بأن يعزز شعور الإنتماء لديه ، فمن ينتمى لعائلته اليوم يصبح منتميا لمجتمعه ووطنه غدا . 

(رابعا) قدر أبناءك وأعطهم إحترامهم لذاتهم ، فلا تهينهم أو تجرحهم حتى إذا ، حسن الإستماع لهم، و تصحيح الأخطاء دون تجريح أو إهانة . 

( خامسا) لا تتجسس على إبنك و لاتفتش ورائه ، فالثقة كروح الإنسان إذا فقدت مرة لن تعود ، فإذا تريدون أن يصبح أبنائكما كتابا مفتوحا ، ومرآة شفافة لتعكس الحقيقة فقط ، ليس عليكما ِأكثر من الرأفة بهما والتقرب إليهما ، حتى يكشفا لكما عن كل ما هو جديد بحياتهما دون التفاف ، كن مع أبناءك مثل الصديق مع صديقه ، الأمين على أسراره ، الكتوم لأخباره ، فلا يجوز أن تكشفا حتى بسلامة نية عن ما يفصح عنه الأبناء للأقارب أو المعارف . 

على الأهل أن يضعوا دائما عاطفة أبنائهم أمام أعينهم، الأبناء كالحبوب التى تغرس فى الأرض ، وترعى وتسقى بالماء ، فتنبت نباتا حسنا ، فإذا وضع الأبناء فى بيئة سليمة  ، ونالوا من الرعاية ما يجب أن يكون ، فثقوا أن الله سينبتهم نباتا حسنا ليكونوا أبناءا صالحين فخرا لكم ولأمتهم 

 

تعليقات القراء

أضف تعليق
الأسم
البريد الألكنرونى
التعليق

تعليقات الفيس بوك

أحدث الاخبـــار

الأكثر قراءة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الرأى الإقتصادى 2015